الفرق بين المراجعتين لصفحة: «٦٠٠: تدخل البابا غريغوري الأول لصالح المنذر بن الحارث، ملك الغساسنة من آل جفنة، المنفي في صقلية»

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ٩: سطر ٩:
==ربط السياق والتحليل والتفسير==
==ربط السياق والتحليل والتفسير==


لا يمكن معرفة سياق هذا الخطاب إلا من المصادر اليونانية والسوريانية. وقد قام القيصر موريكيوس (حكمه ٥٨٢-٦٠٢) بنفي المنذر بن الحارث إلى جزيرة صقلية.<ref name="ftn4">''Shahîd, Byzantium and the Arabs in the Sixth Century, vol. I,1, pp. 538-539.''</ref> وإبان حكم القيصر تيبيريوس كان قد أسس المنذر بن الحارث الذي كان جده وأبوه يُلقّب ـبـفيلارك، يعني ـزعيم قبيلة (φύλαρχος، phylarchus) في خدمة الإمبراطورية البيزنطية، سلطة قوية. وحكم في المنطقة المتاخمة بين الإمبراطورية البيزنطية من ناحية وبين الفرس الساسانيين والمتحالفين معهم من آل نصر (أو بني لخم وكانت عاصمتهم في الحيرة) من ناحية أخرى.<ref name="ftn5">''Shahîd, Byzantium and the Arabs in the Sixth Century, vol. I,1, pp. 339-438.''</ref> وعلى خلاف سلفه جستين (يوستينوس) الثاني الذي عارض المنذر عام ٥٧٢ فقد دعم القيصر تيبيريوس زعيم الغساسنة من آل جفنة في إطار ما وصفه يوحنا البيكلاري بأنه استقبال حافل للمنذر في القسطنطينية عام ٥٧٥ أو ٥٨٠.<ref name="ftn6">''Shahîd, Byzantium and the Arabs in the Sixth Century, vol. I,1, p. 440. أنظر [https://wiki.uni-konstanz.de/transmed-ar/index.php/%D9%A5%D9%A7%D9%A5:_%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8C_%D9%87%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%B1%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A_%D9%85%D9%86_%D9%85%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%B7_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D9%8A%D9%86_%D9%8A%D8%B6%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B2%D9%86%D8%B7%D9%8A%D8%A9_%D8%AA%D8%AD%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%87%D8%B1 ٥٧٥: زائرٌ هسباني-روماني من مملكة القوط الغربيين يضع العلاقات العربية البيزنطية تحت المجهر].''</ref> وفيما يبدو كان سبب نفي المنذر بن الحارث هو الحملة التي قام بها ضد الفرس بالاشتراك مع مدير الحراس الملكيين (comes excubitorum) موريكيوس الذي أصبح القيصر بعد ذلك.<ref name="ftn7">''Greg Fisher, Between Empires, pp. 123, 176-183.''</ref> وقد أعيقت القوات البيزنطية ومعها جيش الغساسنة في هذه الحملة بسبب جسر محطم على نهر الفرات يؤدي إلى مدينة طيسفون، فحمَّل موريكيوس المنذرَ مسئوليةَ تحطيم الجسر واتهمه بالتالي بالتعاون مع الفرس و بالخيانة العظمى.<ref name="ftn8">''Shahîd, Byzantium and the Arabs in the Sixth Century, vol. I,1, pp. 441-447.''</ref> ويبدو أن قيام المنذر بحملة عسكرية ناجحة دون الرجوع إلى قيادة الإمبراطورية البيزنطية عام ٥٨١ ضد بني لخم المتحالفين مع الفرس قد ساهم أيضا في اتساع هوة الخلاف بينهما.<ref name="ftn9">''Shahîd, Byzantium and the Arabs in the Sixth Century, vol. I,1, pp. 420-25.''</ref>
لا يمكن معرفة سياق هذا الخطاب إلا من المصادر اليونانية والسوريانية. وقد قام القيصر موريكيوس (حكمه ٥٨٢-٦٠٢) بنفي المنذر بن الحارث إلى جزيرة صقلية.<ref name="ftn4">''Shahîd, Byzantium and the Arabs in the Sixth Century, vol. I,1, pp. 538-539.''</ref> وإبان حكم القيصر تيبيريوس كان قد أسس المنذر بن الحارث الذي كان جده وأبوه يُلقّب ـبـفيلارك، يعني ـزعيم قبيلة (φύλαρχος، phylarchus) في خدمة الإمبراطورية البيزنطية، سلطة قوية. وحكم في المنطقة المتاخمة بين الإمبراطورية البيزنطية من ناحية وبين الفرس الساسانيين والمتحالفين معهم من آل نصر (أو بني لخم وكانت عاصمتهم في الحيرة) من ناحية أخرى.<ref name="ftn5">''Shahîd, Byzantium and the Arabs in the Sixth Century, vol. I,1, pp. 339-438.''</ref> وعلى خلاف سلفه جستين (يوستينوس) الثاني الذي عارض المنذر عام ٥٧٢ فقد دعم القيصر تيبيريوس زعيم الغساسنة من آل جفنة في إطار ما وصفه يوحنا البيكلاري بأنه استقبال حافل للمنذر في القسطنطينية عام ٥٧٥ أو ٥٨٠.<ref name="ftn6">Shahîd, ''Byzantium and the Arabs in the Sixth Century'', vol. I,1, p. 440. أنظر [https://wiki.uni-konstanz.de/transmed-ar/index.php/%D9%A5%D9%A7%D9%A5:_%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8C_%D9%87%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%B1%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A_%D9%85%D9%86_%D9%85%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%B7_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D9%8A%D9%86_%D9%8A%D8%B6%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B2%D9%86%D8%B7%D9%8A%D8%A9_%D8%AA%D8%AD%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%87%D8%B1 ٥٧٥: زائرٌ هسباني-روماني من مملكة القوط الغربيين يضع العلاقات العربية البيزنطية تحت المجهر].</ref> وفيما يبدو كان سبب نفي المنذر بن الحارث هو الحملة التي قام بها ضد الفرس بالاشتراك مع مدير الحراس الملكيين (comes excubitorum) موريكيوس الذي أصبح القيصر بعد ذلك.<ref name="ftn7">''Greg Fisher, Between Empires, pp. 123, 176-183.''</ref> وقد أعيقت القوات البيزنطية ومعها جيش الغساسنة في هذه الحملة بسبب جسر محطم على نهر الفرات يؤدي إلى مدينة طيسفون، فحمَّل موريكيوس المنذرَ مسئوليةَ تحطيم الجسر واتهمه بالتالي بالتعاون مع الفرس و بالخيانة العظمى.<ref name="ftn8">''Shahîd, Byzantium and the Arabs in the Sixth Century, vol. I,1, pp. 441-447.''</ref> ويبدو أن قيام المنذر بحملة عسكرية ناجحة دون الرجوع إلى قيادة الإمبراطورية البيزنطية عام ٥٨١ ضد بني لخم المتحالفين مع الفرس قد ساهم أيضا في اتساع هوة الخلاف بينهما.<ref name="ftn9">''Shahîd, Byzantium and the Arabs in the Sixth Century, vol. I,1, pp. 420-25.''</ref>


كذلك يجب أيضًا النظر إلى عداء المنذر لموريكيوس على خلفية توترات دينية وطائفية في علاقة الغساسنة من آل جفنة بمركز الإمبراطورية البيزنطية وإدارتها المدنية والكنسية، فالمنذر ومن خلفه آل جفنة والغساسنة كانوا يعتنقون على الأقل منذ عام ٥٤٢ مذهب المسيحية المونوفيزية ويدعمونه، وهو المذهب الذي اعتبرته القسطنطينية ضربا من الهرطقة.<ref name="ftn10">''Irfan Shahîd, Ghassān, EI 2, S. 1020; Hainthaler, Christliche Araber, pp. 75-80; Fisher, Between Empires, pp. 56-57; Fisher, From Mavia to al-Mundhir, pp. 28-30.''</ref> وفي عام ٤٥١ كان مجمع خلقيدونية قد أدان هذا المذهب وعزل الكثير من المسيحيين في مصر والشام عن الكنيسة الإمبراطورية البيزنطية.<ref name="ftn11">''The Acts of the Council of Chalcedon, übers. Price, pp. 51-55.''</ref> من المحتمل أن هناك أطرافا فاعلين آخرين من بينهم البطريك غريغوري الأنتكي، ممثل قرارات مجمع خلقيدونية، قد دعموا اتهامات موريكيوس. فلم يزعجهم مذهب آل جفنة المسيحي فقط، بل أنشطتهم التبشيرية لنشر العقيدة المونوفيزية للمسيحية لدى جماعات عربية في الجنوب، ومنها في بلدة نجران.<ref name="ftn12">''Irfan Shahîd, Ghassān, EI 2, S. 1020; Shahîd, Byzantium and the Arabs in the Sixth Century, vol. I,1, pp. 21, 445-448.''</ref> من المحتمل أيضا أنَّ لاختلاف المذهب دورا في موقف موريكيوس، فقد كان يسعى بنفسه لتثبيت دعائم الخلقيدونية لدى الأرمن بعد توليه العرش.<ref name="ftn13">''Armenian History Attributed to Sebeos, trans. R. W. Thomson, cap. 19, p. 37.''</ref> ونظرا إلى تعقد العلاقات بين المتحزبين لقرارات مجمع خلقيدونية المدعومين من الامبراطورية وبين الجماعات المونوفيزية فلا ينبغي المبالغة كذلك في تقدير دور التعارض المذهبي.<ref name="ftn14">Fisher, ''Between Empires'', p. 60: “Both Chalcedonian and miaphysite positions were characterised by numerous rifts and schisms of varying severity in the sixth century; any picture of two well-defined and opposing religious movements would be misleading.”</ref> وعلى الرغم من أهمية العوامل الدينية في هذا الصراع، فقد كان الصراع بين موريكيوس والمنذر له طبيعة سياسية أكثر من طبيعة دينية.  
كذلك يجب أيضًا النظر إلى عداء المنذر لموريكيوس على خلفية توترات دينية وطائفية في علاقة الغساسنة من آل جفنة بمركز الإمبراطورية البيزنطية وإدارتها المدنية والكنسية، فالمنذر ومن خلفه آل جفنة والغساسنة كانوا يعتنقون على الأقل منذ عام ٥٤٢ مذهب المسيحية المونوفيزية ويدعمونه، وهو المذهب الذي اعتبرته القسطنطينية ضربا من الهرطقة.<ref name="ftn10">''Irfan Shahîd, Ghassān, EI 2, S. 1020; Hainthaler, Christliche Araber, pp. 75-80; Fisher, Between Empires, pp. 56-57; Fisher, From Mavia to al-Mundhir, pp. 28-30.''</ref> وفي عام ٤٥١ كان مجمع خلقيدونية قد أدان هذا المذهب وعزل الكثير من المسيحيين في مصر والشام عن الكنيسة الإمبراطورية البيزنطية.<ref name="ftn11">''The Acts of the Council of Chalcedon, übers. Price, pp. 51-55.''</ref> من المحتمل أن هناك أطرافا فاعلين آخرين من بينهم البطريك غريغوري الأنتكي، ممثل قرارات مجمع خلقيدونية، قد دعموا اتهامات موريكيوس. فلم يزعجهم مذهب آل جفنة المسيحي فقط، بل أنشطتهم التبشيرية لنشر العقيدة المونوفيزية للمسيحية لدى جماعات عربية في الجنوب، ومنها في بلدة نجران.<ref name="ftn12">''Irfan Shahîd, Ghassān, EI 2, S. 1020; Shahîd, Byzantium and the Arabs in the Sixth Century, vol. I,1, pp. 21, 445-448.''</ref> من المحتمل أيضا أنَّ لاختلاف المذهب دورا في موقف موريكيوس، فقد كان يسعى بنفسه لتثبيت دعائم الخلقيدونية لدى الأرمن بعد توليه العرش.<ref name="ftn13">''Armenian History Attributed to Sebeos, trans. R. W. Thomson, cap. 19, p. 37.''</ref> ونظرا إلى تعقد العلاقات بين المتحزبين لقرارات مجمع خلقيدونية المدعومين من الامبراطورية وبين الجماعات المونوفيزية فلا ينبغي المبالغة كذلك في تقدير دور التعارض المذهبي.<ref name="ftn14">Fisher, ''Between Empires'', p. 60: “Both Chalcedonian and miaphysite positions were characterised by numerous rifts and schisms of varying severity in the sixth century; any picture of two well-defined and opposing religious movements would be misleading.”</ref> وعلى الرغم من أهمية العوامل الدينية في هذا الصراع، فقد كان الصراع بين موريكيوس والمنذر له طبيعة سياسية أكثر من طبيعة دينية.  
الكوكيز تساعدنا على تقديم خدماتنا. باستخدام خدماتنا، فأنت توافق على استخدام الكوكيز.

قائمة التصفح