٨٢٧: كتاب وقائع ساليرنو حول فتح المسلمين لجزيرة صقلية

من Transmed Wiki
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المؤلف(ة): تيريزا ياك

المصدر

. (الترجمة: إسماعيل مكحل) Chronicon Salernitanum, ed. Ulla Westerbergh, Stockholm: Almqvist & Wiksell International, 1956, cap. 60, p. 59
Per idem tempus Agarenorum gens Siciliam invaserunt. Sed quomodo terram illam actriverunt, nunc materiam subministremus. Erat vir predives quidam in Sicilie finibus, Eufimius nomine; disponsavit puellam, Homonizam nomine gerente, mire pulcritudinis. Illo denique tempore quidam Greculus Siciliam preerat. Accepta pecunia ab alio viro, disponsatam Eufimii auferens atque alius viri eam denique tradidit. غزا الهاجريون صقلية في ذلك الوقت. ونتقدم بالتقرير التالي حول طريقة إفنائهم لهذه البلد: كان هناك رجلا ثرياً جدا في آخر أصقاع صقلية إسمه ايفيميوس. وكان قد خطب فتاة ذات جمال منقطع النظير إسمها هومونيزا. وكانت صقيلية في تلك الحقبة تحت سيطرة رومي وضيع ["غريكولس" (Greculus)، يعني "الإغريقي الصغير أو الوضيع" وهذا لفظ احتقاري استعمله مؤلف هذا الكتاب هنا لتحقير البيزنطيين]. وبعدما حصل على مال من رجل آخر قام هذا الرجل بإختطاف خطيبة ايفيميوس وقدمها له بعد ذلك.
Quod dum in patulo exiit atque Eufimii nunciatum fuisset, talia nimirum verba depromsit: "Meam namque fedastis uxorem; hoc pereat anno, si non fedare facio plurimorum uxores!" Quapropter cum servis suis navem ascendit Africamque properavit, atque regi terre illius huius modi verba depromsit:„Multarum navium dirige mecum, quatenus spaciosa terra vestre dicioni commictam.“ Ut rex barbarus talia audiens, nimis gavisus est, atque sine mora omnis navalis exercitus iussit congregare in unum. وبعد إنتشار هذا الخبر بين العامة وإبلاغ ايفيميوس بالذي حصل أدلى بالتصريح التالي: "لقد قمتم باغتصاب زوجتي. فلن يمر هذا العام إن لم أجعل زوجات الكثير من الرجال يتعرضن للاغتصاب."

وخاض البحر مع عبيده بسفينة وسارع إلى إفريقيا وخاطب ملك ذلك البلد بالكلمات التالية: "أرسل معي عددا كبيرا من السفن، فأجعل بلداً واسعاً شاسعاً تحت سلطانك". وعند سماع الملك البربري (rex barbarus) هذا العرض إبتهج كثيرا وأصدر أمراً بجمع كامل الأسطول.

Dum fuissent nimirum congregati in unum, rex ille barbarus huiusmodi exorsus verba: "Omne consilium ab isto meo viroque amico percipite, atque eius iussa quasi mea metuite." Et hec dicens, non exigua dona eorum silicet condonavit, sed amplissima plus omnibus Eufimius dedit. Cum vero Siciliam properassent, protinus eam videlicet invaserunt, atque multaque opes ibidem silicet reppererunt; ingrediuntur, multorum populorum faciunt strages, vix paucis evadentibus, qui nuper (per) tutissima castra et moncium confugerunt iuga. وعندما كانت السفن تتجمع بدأ الملك البربري هذا بالخطاب التالي: "تلقوا أوامركم من تابعي وصديقي هذا واخضعوا لأوامره كما لو كنت أنا قد أصدرتها."

فبالطبع لم يترك لهم هبة بسيطة فقط عندما قال ذلك، بل شيئاً أضخم من أي شيء آخر أعطاهم إياه ايفيميوس. إلا أنهم عندما سارعوا إلى صقلية قاموا عما يبدو بهجوم فوري وتعرضوا حسبما بدا لمقاومة شديدة. فقد دخلوها واستعبدوا العديد من الشعوب هناك، حيث استطاع فقط القليل منهم الهرب ومن ثم الاختفاء في العديد من القلاع والجبال.

Sed et ipsum Greculum ibidem negaverunt [eher: necaverunt?] ceterisque illius sequaces, atque ab illo tempore Siciliam dominare ceperunt. Audito hoc, princeps Sico valde est exinde mestus, atque coronam in suo capite iam minime posuit, predicens futurum gladium inter agmina Longobardorum. Pro una denique puella sunt aliorum multeque denique viduate. Et qui antea omnes in unum inter se epulabant et exultabant, postmodum pro unum Greculum immensas lacrimas effundebant. ولكنهم قتلوا أيضا الإغريقي الوضيع ("غريكولس") وباقي صحبه وبدأوا منذ ذلك الوقت يحكمون سيطرتهم على صقلية. وبعد أن سمع الأمير سيكو بذلك أصبح حزينا جدا، وقلما تقلد تاجه على رأسه عقب تنبؤه بنزاع مسلح فيما بين التجمعات اللومباردية. وبالنتيجة أصبحت بسبب فتاة واحدة العديد من النساء ومن ثم الكثير منهن أرامل. وأولئك الذين تشاركوا في الماضي الطعام والسعادة ذرفوا فيما بعد الكثير من الدموع بسبب إغريقي وضيع ("غريكولس").

المؤلف وأعماله

[§١] يعالج كتاب "وقائع ساليرنو" (Chronicon Salernitanum ) تاريخ اللومبارديين بين نهايات القرن السادس وأواخر القرن العاشر ميلادي مع التركيز على دوقية بينيفينتو وإمارة ساليرنو بصورة خاصة. ويضع الكاتب المجهول في بداية عمله ثلاث لائحات بأسماء الحكام، التي تضفي على العمل إطاراً سياسياً وزمنياً: حيث يتم أولاً تسمية الملوك اللومبارديين بدءاً من ألبوين (حكمه ٥٦٠ أو ٥٦٨ إلى ٥٧٢ أو ٥٧٣) وحتى ديسيديريوس (حكمه ٧٥٧ إلى ٧٧٤) وثانياً الملوك الفرنجية بدءاً من بيبان الكبير أو الأوسط (وحكمه أو ٦١٥ أو ٦٢٥ إلى ٦٤٠ أو ٦٩٧ إلى ٧١٥ م) عبر كارل الأكبر (حكمه ٧٦٨ إلى ٨١٤ م) ثم الحكام السكسونيين وحتى أوتو الثالث (حكمه ٩٨٣ إلى ١٠٠٢ م). ومن ثم ثالثاً حكام بينيفينتو اللومبارديين بدءاً من زوتو (حكمه ٥٧١ إلى ٥٩١ م) وصولاً إلى راديلكيس الثاني (حكمه ٨٨١ إلى ٩٠٠ م).

[§٢] وتبدأ الرواية الاساسية ببابوية البابا زكريا (في المنصب ٧٤١ إلى ٧٥٢ م). واعتمد الكاتب بقدر كبير في تقاريره حول السياسة الفرنجية الكارولنجية على كتاب الباباوات (Liber Pontificalis). إلا أنه صب جل إهتمامه فيما بعد على النزاعات الداخلية للومبارديين وتشرذم إماراتهم لا سيما ساليرنو (٨٥١ م) كما تطورات هذه الإمارات في الأوضاع السياسية المتشابكة في جنوب شبه الجزيرة الإيطالية. وإستخدم الكاتب في العديد من الأقسام وباستفاضة فقرات من المراجع: "أصل الشعب اللومباردي" (Origo Gentis Langobardorum) و"تاريخ اللومبارديين" (Historia Langobardorum) و"تاريخ القديس بينيديكت من كاسينو" [Chronica Sancti Benedicti Casinensis]. وبناءاً على ذلك تم التقليل من قيمة كتاب "وقائع ساليرنو" كمصدر تاريخي في البداية عقب الاصدار الاول. ومع الوقت توحدت الآراء حول الأهمية الكبرى لهذا الكتاب في البحث التاريخي لجنوب إيطاليا، حتى ولو كان هذا الكتاب يعتمد بصورة كبيرة على النسخ من كتب أخرى.[١] وفي منتصف القرن التاسع تقريباً ينفرد المؤلف المجهول في تقريره ويروي الأحداث بأسلوبه الخاص الذي يتميز بالعديد من التفاصيل. فإذا تم أسلوب روايته بين حين وآخر في إطار الأساطير الشعبية[٢] فيظهر التحليل الدقيق منطقاً جدليا في طريقة السرد. وتكمن القيمة الكبيرة لهذا المصدر بصورة أساسية في كونه يوفر من منظور لاتيني مشهداً لتحركات المسلمين في جنوب إيطاليا وترسيخ حكمهم قصير الأمد في إمارات باري وتارنتو. إلى ذلك يتيح كتاب "وقائع ساليرنو" لمحة خاصة للعلاقات التنافسية بين المدن التالية: ساليرنو ونابولي وأمالفي. وأخيرا ينتهي السرد بصورة مفاجئة في هذا السياق وفي المرحلة التي يتنازع فيها الأخوة الامراء الساليرنيون جيزولف الأول (حكمه ٩٧٨ إلى ٩٨١ م) وباندولف (حكمه ٩٨١ م) ضد الامالفيين الذين يسيطرون على ساليرنو من خلال مانزو (حكمه ٩٦٦ إلى ١٠٠٤ م كدوق إمارة أمالفي و٩٦٦ إلى ٩٨٣ كأمير ساليرنو).

[§٣] لا نعرف عن شخص الكاتب إلا الشيء القليل. أما مكان الكتابة فيمكن أن يكون مدينة ساليرنو وفقا للعديد من المؤشرات حيث إستخدم الكاتب أرشيفاتها لإنجاز عمله وكان على دراية بنقوشها.[٣] لقد كان الكاتب رجل دين عما يبدو. ولأنه قد ذكر مادحا دير الرهبان مونتي كاسينو عدة مرات اعتبر بعض المؤرخين أنه كان من أتباع الرهبنة البندكتية. وكان من المنطقي أن يكون دير القديس بينيديتو في ساليرنو محور حياة الكاتب.[٤] و تم التكهن أيضا فيما إذا كان لديه صلة بديوان الحكم اللومباردي في ساليرنو.[٥] ومن الجدير بالذكر في هذا السياق ان المعلومة الشخصية الوحيدة المذكورة في كتاب "وقائع ساليرنو" تذكر بان أحد أَسلاف الكاتب المدعو رادوالد اضطر للهرب من بينيفنتو إلى نابولي بسبب الخلاف مع روفريد وهو أحد توابع الدوق سيكارد دوق بينيفنتو (حكمه ٨٣٢ إلى ٨٣٩ م).[٦] وفي حين تم الاستنتاج مما سبق بان الكاتب ينحدر من نسب أصيل[٧] فهناك تكهنات أخرى تفيد بإمكانية بُعدِهِ عن النسب اللومباردي الحاكم في بينيفنتو. وتعزو الباحثة تافياني كاروتسي هذا الكتاب إلى رئيس دير القديس بينيديتو في ساليرنو على أنه الكاتب مجهول الهوية المثبت وجوده بين الأعوام ٩٨٦ ٩٩٠ م ويحمل نفس اسم سلفه الذي يدعى رادوالد. وبالرغم من ان هذا التأويل يمكن أن يرتبط بفترة تأليف هذا الكتاب التاريخي بين عام ٩٧٣ (آخر أحداث مذكورة) وعام ٩٩٦ م (تنصيب القيصر أوتو الثالث) فإن الأبحاث الإيطالية المختصة بالتاريخ المحلي ترفض هذه الفكرة جذريا.[٨]

المحتويات والإطار التاريخي للمصدر

[§٤] ويخبرنا كتاب "وقائع ساليرنو" في الفصل رقم ٦٠ حول فتح المسلمين لصقيلية. ويذكر الكاتب فيه للمرة الأولى الجزيرة المركزية في البحر المتوسط كما يذكر البيزنطيين والمسلمين الذين يصبحون فيما بعد ذوي أهمية كبيرة لدى إستعراض التطورات السياسية اللاحقة في جنوب إيطاليا. لكن لا يتم وصف طابع هذه الجماعات والكيانات السياسية التي تتبعها بصورة أقرب. حتى الدور الوشيك لهذه الجماعات ضمن هذا العمل أو كتاب "وقائع ساليرنو" لا يتم التطرق إليه سلفاً، مما يولد الشعور بان هذا الفصل يصبح معزولا بعض الشيء في البداية. فيقوم الكاتب بمعالجة كامل فتح المسلمين لصقلية (٨٢٧ إلى ٩٠٢) وترسيخ حكمهم هناك في فقرة واحدة بحيث يتناول ببضعة سطور أحداثاً دارت لعدة عقود من الزمن. فلم يركز الكاتب على الإنتصارات العسكرية لهذا التوسع السياسي والديني، بل يركز على واقعة سبقت الفتح وهي تفسر نجاح هذا الفتح. ويلعب الدور الرئيسي في هذه الأحداث شخص إسمه ايفيميوس، حيث يتم سبي خطيبته هومونيزا من طرف رومي بيزنطي يدعى "غريكولس" أو "الإغريقي الوضيع" مقابل مبلغ من المال لصالح رجل آخر. وتدل التسمية "غريكولس" على ممثل السيادة البيزنطية في المنطقة الإدارية صقلية الملقب بـ "الإستراتيجي" (στρατηγός). وكنتيجة لذلك أقسم ايفيميوس ان يأخذ بثأره وطلب المساعدة العسكرية من "الملك البربري" (rex barbarus) في شمال افريقيا ووعده بالسيطرة على أراض واسعة مقابل هذه المساعدة. ومن ثم قاما بتشكيل تحالف وغزوا صقلية سوياً وأخضعا تلك الجزيرة.

[§٥] وإضافة لكتاب "وقائع ساليرنو" ذكرت الكتب التاريخية البيزنطية ايفيميوس. وحسب هذه الكتب تولى ايفيميوس منصب الحاكم (τουρμάρχος) لمنطقة غرب صقلية وكان قائداً للأسطول البحري الصقيلي البيزنطي. وتم ذكره بوضوح لأول مرة في حملة عسكرية ضد شمال افريقيا سنة ٨٢٦ م.[٩] وتمرّد ضد التسلط البيزنطي وقتل قسطنطين المسؤول الاستراتيجي (στρατηγός) لصقلية ونصّب نفسه حاكماً على سرقوسة. وتظهر صورته في أحد الأختام الذي يصفه بأنه "ملك الروم" كتأكيد للرواية الموجودة في كتب التاريخ البيزنطية.[١٠] وتم ذكر امرأة على أنها سبب تمرد ايفيميوس في كل من: كتاب "تاريخ تيوفان التكميلي" (Theophanes Continuatus) وتأريخ جون سكيليتزس كما أيضا كتاب "وقائع ساليرنو". ولم تذكر النصوص الاغريقية إسم هذه المرأة وتم وصفها على أنها راهبة خاشعة وان ايفيميوس غصبها على الزواج بدون رغبتها. وعندما وجبت العقوبة على ايفيميوس على فعلته هذه قام بالعصيان.[١١] ولأنه في سياق آخر لدى كتاب "تاريخ تيوفان التكميلي" تم الحديث عن رجال آخرين تعاونوا مع ايفيميوس فيمكن التكهن بحدوث حركة انفصالية واسعة في صقلية البيزنطية. وتبدو أهمية هذه الحركة أكبر مما تظهر من خلال وصفها في الكتب التاريخية البيزنطية المقربة من أوساط الحكم التي تركّز على افيميوس وتصرفه الفردي فقط.[١٢]

[§٦] وطلب ايفيميوس عما يبدو مساعدة الأمير الأغلبي زيادة الله (حكمه ٢٠١ إلى ٢٣٨ هـ / ٨١٧ إلى ٨٣٨ م) في شمال إفريقيا من أجل دعم خطته وبناءاً على واقع ان القسطنطينية بدأت تتحرك ضده. وكان ايفيميوس يُعرف في هذا السياق باسم "فيمي" المذكور أيضا في الروايات العربية الإسلامية.[١٣] وتم الاتفاق على غزو مشترك ورسا اسطول الاغالبة مع افيميوس في عام ٨٢٧ م في مازارا بقيادة أسد بن الفرات (ت. ٢١٣ هـ / ٨٢٨ م). وتُعتبر هذه اللحظة كبداية للفتح الإسلامي لصقلية الذي استمر حتى بدايات القرن العاشر م.[١٤]

ربط السياق والتحليل والتفسير

[§٧] إن تصوير فتح المسلمين لصقلية في كتاب "وقائع ساليرنو" يبدو للوهلة الاولى انه غير مرتبط بالسرد السابق واللاحق للكاتب الساليرني مجهول الشخصية. وترتبط حكاية صقلية بخبر حصار مدينة نابولي من طرف دوق بينيفيتو سيكو (حكمه ٨١٧ إلى ٨٣٢ م) الذي نقل ذخائر القديس جانواريوس إلى بينيفيتو وعلاوة على ذلك تأسست سلالة حاكمة جديدة في كابوا وهي مؤلفة من موظفين تابعين للدوق معروفين بـ (الغاستالديين) (gastaldi).[١٥] وتتناول الفصول التالية للفصل رقم ٦٠ أيضا بصورة رئيسية التطورات داخل مجتمع النخبة اللومباردية. أما مسار تأصيل سلطة المسلمين في صقلية وعواقبه فلا تنعكس عليه في الفصول هذه: حيث لا يتم الحديث عن فاتحي صقلية عقب إنتشارهم على البرّ إلا بعد إثنتي عشر فصلا.[١٦] ومن الجدير بالذكر ان المسلمين الذين إحتلوا صقلية في الفصل رقم ٦٠ وتم وصفهم هناك بصورة حيادية وبدون تقييم (gens Agarenorum) يتم ذكرهم الآن على أنهم منتهكين (astutissima Agarenorum gens) لأنهم في هذه المرحلة أصبحوا تهديداً مباشراً ضد البر الإيطالي الجنوبي. لكن الكاتب لم يقتصر على هذا الوصف السلبي بأي حال. ويظهر ذلك عندما يصف المسلمين في سياق آخر، مثلاً في علاقاتهم المتنوعة والتبادل التجاري مع ساليرنو.[١٧] إن إدراك وتوصيف الآخر في كتاب "وقائع ساليرنو" يتمتعان بمرونة التقدير ويتعلقان من حيث المبدأ بالسياق.[١٨]

[§٨] وهناك إختلاف بين ظهور ايفيميوس لدى الكاتب المجهول في البداية كضحية توعدت بالانتقام بعد تعرضها للظلم ومن ثم جرى التحالف مع الملك في شمال إفريقيا، وفي الجانب الآخر بين ظهوره في المراجع البيزنطية والعربية الاسلامية بشخصية المجرم والخائن أو حتى المنشق. ويتم تقييم "الرجل الآخر" وعلى وجه الخصوص "الاغريقي الوضيع" ("غريكولس") في كتاب "وقائع ساليرنو" على أنهما أشراراً أشعلا فتيل الحرب وجعلا الشعب يرزخ تحت المعاناة بسبب الجشع لإستملاك إمرأة من ناحية والطمع بالمال من ناحية أخرى. ويؤكد إستخدام عبارة التصغير "غريكولس" (الاغريقي الوضيع) لممثل السلطة البيزنطية إضفاء نظرة سلبية بل احتقار قياداتها السياسية من طرف الكاتب الساليرني. أما "الملك البربري" فيظهر على أنه طرف ثالث إستفاد من النزاعات الداخلية في صقلية ورأى في التحالف مع ايفيميوس فرصة سانحة لتوسيع رقعة ملكه. وركز الكاتب المجهول في هذا الصدد على أن الصقليين ردوا على الغزاة بالمقاومة. وإشارته إلى تراجعهم في الآونة الاخيرة إلى القلاع والبروج يمكن إثباتها من ناحية علم الآثار وقد تم إدراجها في البحوث التي تناولت تاريخ صقليية من خلال المصطلح "incastellamento" يعني "الإختِلاء في الحصون".[١٩] وبقيت الديانة المسيحية الإغريقية بصورة رئيسية في شرق جزيرة صقلية في هذه الحصون حتى فترة ما بعد الحكم الاسلامي هناك.

[§٩] وينتهى إحتلال صقلية في كتاب "وقائع ساليرنو" بإلقاء اللوم: حيث تسبب وغد أوحد يدعى "الاغريقي الوضيع" (غريكولس) في سيل من الدموع وشرذمة مجتمع ساد فيه من قبل الوئام والإلفة. وعزا الكاتب هذا التقييم المختصر للأحداث إلى دوق بينيفيتو سيكو (حكمه ٨١٧ إلى ٨٣٢ م) الذي تكهَّن بعد ذلك أن اللومبارديين سيتفرقون قريبا بحد السيف. ولم يقم الكاتب المجهول عما يبدو من خلال التكهُّن هذا بالتلميح إلى قوة المسلمين المتنامية والمواجهات العسكرية الناجمة عنها. بل أشار إلى الإنتفاضة الوشيكة بقيادة سيكولف (Siculf) ابن سيكو التي يتم وصفها باسهاب في الفصول التالية من الكتاب والتي أدت إلى تقسيم إمارة ساليرنو. وبهذا الأسلوب استنبط الكاتب من فتح المسلمين لصقلية درساً أخلاقيا وعكس ذلك على التطورات السياسية لبلاده. وأما قضية النزاع على المرأة التي تظهر كسبب للحرب في بداية القصة فهي دلالة أدبية أو صورة نمطية تتكرر في سرد قصص الفتح الأخرى.[٢٠]

(الترجمة: إسماعيل مكحل)

اصدارات المصادر المحققة وترجماتها

Chronicon Salernitanum. A Critical Edition with Studies on Literary and Historical Sources and on Language, ed. Ulla Westerbergh (Acta Universitatis Stockholmiensis. Studia latina Stockholmiensia 3), Stockholm: Almqvist & Wiksell International, 1956.
Chronicon Salernitanum (sec. X), ed. Arturo Carucci, Salerno: Edizioni Salernum, 1988.
Chronicon Salernitanum, ed. Georg Heinrich Pertz (MGH SS 3), Hannover: Hahn, 1839, pp. 467-561.

المراجع المقتبسة والتفصيلية الغير عربية

Cicco, Giuseppe Gianluca: La Langobardi meridionale e le relazioni commerciali nell’area mediterranea: il caso di Salerno, in: Reti Medievali Rivista 10 (2009), pp. 59-87.
Delogu, Paulo: Mito di una città meridionale (Salerno, secoli VIII-XI), Naples: Liguori, 1977.
Delogu, Paulo: La conquista dell’Italia meridionale come ideologia storiografica, in: Rassegna storica Salernitana N.S. 11 (1994), pp. 211-221.
Falkenhausen, Vera von: I Langobardi meridionali, in: Giuseppe Galasso (Ed.), Il Mezzogiorno dai Bizantini a Federico II. (Storia d’Italia 3), Turin: Giulio Einaudi, 1983, pp. 249-364.
Kreutz, Barbara: Before the Normans: Southern Italy in the Ninth and Tenth Centuries (The Middle Ages Series), Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 1996.
Kujawiński, Jakub: Le immagini dell’«altro» nella cronachistica del Mezzogiorno Longobardo, in: Rivista storica italiana 118/3 (2006), pp. 767-815.
Manitius, Max: Geschichte der lateinischen Literatur des Mittelalters, Bd. 2: Von der Mitte des 10. Jahrhunderts bis zum Ausbruch des Kampfes zwischen Kirche und Staat, Munich: C.H. Beck, ND 1976, pp. 197-203.
Maurici, Ferdinando: Castelli medievali in Sicilia. Dai bizantini ai normanni (La Pietra Vissuta 5), Palermo 1992.
Metcalfe, Alex: The Muslims of Medieval Italy (The New Edinburgh Islamic Surveys), Edinburgh: EUP, 2009.
Nef, Annliese: Reinterpreting the Aghlabids’ Sicilian Policy (827–910), in: Glaire Anderson, Corisande Fenwick, Mariam Rosser-Owen (Ed.), The Aghlabids and their Neighbours: Art and Material Culture in 9th-century North Africa, Leiden: Brill, 2017, pp. 76-87.
Palmieri, Stefano: L’identità del cronista salernitano. A proposito di un libro recente sul principato langobardo di Salerno, in: Rassegna storica Salernitana N.S. 11 (1994), pp. 225-232.
Oldoni, Massimo: Anonimo Salernitano del X secolo, Naples: Guida, 1972.
Pohl, Walter: Werkstätte der Erinnerung. Montecassino und die Gestaltung der langobardischen Vergangenheit (Mitteilungen des Instituts für österreichische Geschichtsforschung. Ergänzungsband 39), Munich: Oldenbourg Wissenschaftsverlag, 2001.
Prigent, Vivien: La carrière du toumarque Euphèmios, basileus des Romains, in: Andrè Jacob, Jean-Marie Martin, Gislaine Noyé (Hrsg.), Histoire et culture dans l’Italie byzantine. Acquis et nouvelles recherches (Collection de l’École française de Rome 363), Rome: École française de Rome, 2006, pp. 279-317.
Prigent, Vivien: Pour en finir avec Euphèmios, basileus des Romains, in: Mélanges de l’Ecole française de Rome. Moyen-Age 118/2 (2006), pp. 375-380.
Taviani-Carozzi, Huguette: La principaut lombarde de Salerne (IXe-XIe), Bd. 2: Pouvoir et societé en Italie lombarde meridionale (Collection de l’École française de Rome 152), Rome: École Française de Rome, 1991, specifically pp. 62-95.
Treadgold, Warren, The Byzantine Revival. 740–842, Stanford: Standford University Press, 1988, specifically pp. 249-254.


أسلوب الإقتباس الموصى به

تيريزا ياك, "٨٢٧: كتاب وقائع ساليرنو حول فتح المسلمين لجزيرة صقلية", ضمن تاريخ العلاقات عبر البحر المتوسط. مقتطفات المصادر الأصلية المزودة بتعليقات, أصدرها دانيال ج. كونيغ وتيريزا ياك, إيريك بوهمى ,عنوان موقع الويب: https://wiki.uni-konstanz.de/transmed-ar/index.php/٨٢٧:_كتاب_وقائع_ساليرنو_حول_فتح_المسلمين_لجزيرة_صقلية. التغييرات الأخيرة: 19.03.2021, تأريخ الوصول: ٢٩.٠٣.٢٠٢٤.

الكلمات الدلالية

أسطول، ايفيميوس، بيزنطة، البيزنطيون، بينيفيتو، التعاون مع العدو، التمرد، توسع الحكم العربي الإسلامي، الخِيَانَة، ساليرنو، شمال افريقيا، صقلية، العنف الجنسي، الفتوحات العربية، مبرر وحافز للفتح، النساء، الأغالبة


  1. Pohl, Werkstätte, S. 55-67, Delogu, Mito, pp. 237-277, يصح أن يشير إلى أنّ كتاب "تأريخ ساليرنو" يستحق "المزيد من الإنْتِباه".
  2. Manitius, Geschichte, p. 199
  3. Chronicon Salernitanum, ed. Westerbergh, pp. 202-203 and pp. 219-220
  4. Chronicon Salernitanum, ed. Westerbergh, p. XIII
  5. Kreutz, Normans, p. 95
  6. Chronicon Salernitanum, ed. Westerbergh, cap. 68, pp. 65-66
  7. Manitius, Geschichte, p. 198; Chronicon Salernitanum, ed. Westerbergh, p. XIII
  8. Taviani-Carozzi, Principauté, pp. 85-91; conversely Palmieri, Identità, p. 225 and p. 232; Delogu, Conquista, pp. 213-214
  9. Theophanes Continuatus, Chronographia libri I-IV, ed. Michael Featherstone, Juan Signes Condoñer (Corpus fontium historiae Byzantinae 53), Berlin: De Gruyter, 2015, lib. 2, cap. 27, pp. 121-122; Ioannis Scylitzes, Synopsis istoriarum, ed. Johannes Thurn (Corpus Fontium Historiae Byzantinae, ser. Berolinensis 5), Berlin: De Gruyter, 1973, cap. 46, §35-47, p. 68
  10. Prigent, Pour en finir
  11. Theophanus continuatus, Chronographia, lib. 2, cap. 27, §16-20, p. 81; Skylitzes, Synopsis, cap. 20, pp. 46-47
  12. Prigent, Carrière
  13. Nef, Reinterpreting
  14. Metcalfe, Muslims, pp. 4-43
  15. Chronicon Salernitanum, ed. Westerbergh, cap. 57, pp. 57-58 and cap. 58, p. 58
  16. Chronicon Salernitanum, ed. Westerbergh, cap. 72, pp. 70-71
  17. Kreutz, Normans, pp. 18-101; Cicco, Langobardi, pp. 78-84
  18. Kreutz, Normans, pp. 49-54
  19. Maurici, Castelli
  20. أنظر 711-745: Ibn al-Qūṭiyya zur Kooperation seiner westgotischen Vorfahren mit den muslimischen Eroberern and 711: Ibn ʿAbd al-Ḥakam zur Kollaboration Julians bei der muslimischen Invasion der Iberischen Halbinsel